نبذة عن تاريخ وواقع العرب في الدنمارك

دعونا نبدأ من الجانب المشرق لعرب الدنمارك، ففي ظل أزمة الكورونا برز على السطح شخصان من أصول عربية يقودان فريقي عمل لباحثين دنماركيين يحاولون إنقاذ الدنمارك والبشرية من براثن الكورونا، الأولى هي الباحثة الدنماركية من أصول عراقية فاطمة الزهراء الأطرقطشي ، والتي تقود فريق أبحاث في جامعة روسكيلده يهدف إلى الوصول إلى طريقة تسمح بعمل فحص الكورونا بأقل وقت ممكن، والثاني هو البروفسور الدنماركي المصري علي سلانتي حيث يترأس فريقاً من الباحثين في جامعة كوبنهاجن يعمل على إيجاد لقاح لمرض كوفيد-19. وبالتأكيد هناك المئات من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي والخدماتي الذين يستحقون كل الاحترام والتقدير منا جميعاً. ولكن ماذا عن تاريخ وواقع العرب في الدنمارك، ماذا نعرف عنه؟

بصمات عربية في الدنمارك منذ القدم
ربما يستغرب البعض إذا قلنا أن تاريخ العرب في الدنمارك يرجع إلى العصر الحديدي، أي  قبل 2000 سنة. ولكن هذه حقيقة نشرها مجموعة من الباحثين في جامعة كوبنهاجن قبل حوالي عشر سنوات، حيث أفاد الباحثون في العلوم الجنائية بالجامعة بعد دراستهم لبقايا جثامين في موقعين قديمين لدفن الموتى يعودان إلى العصر الحديدي، أنهم اكتشفوا شخصا يبدو أنه يعود إلى أصول عربية.

وكان الباحثون قد قاموا بدراسة 18 جثة من العصر الحجري في مقبرتي بوغبيجغارد وسكوفاغارد في القسم الجنوبي من جزيرة شيلاند.  ونشر العلماء نتائج دراستهم في مجلة «أميريكان جورنال أوف فيزيكال أنثروبولوجي» المتخصصة بعلم الإنسان.

المهم في هذا الاكتشاف هو أن الدنمارك ليس كما يحلوا للعديد من الأشخاص وصفها بأنها بلد العرق النقي وبلد الشقروات والفايكنج فحسب. الاكتشاف الذي لم تتناوله أجهزة الإعلام الدنماركية باهتمام كافٍ يفند مزاعم أصحاب نظرية العرق النقي ويثبت أنها خرافة ووهم يُستغل لأسباب عنصرية. 

فالدنمارك وبحكم موقعها الجغرافي المرتبط بالقارة الأوروبية الأم عبر شبه جزيرة يولاند كانت وستبقى مرتبطة بالعالم الخارجي ولن تستطيع أن تواجه تحديات الأعوام القادمة، إلا بفتح أبوابها للأيدي العاملة الخارجية وتسهيل تنقل الأفراد منها وإليها. 

أهمية معرفة التاريخ ودراسة واقع عرب الدنمارك
وربما يتساءل البعض لماذا هذه المقدمة الطويلة والتعويل على اكتشاف علمي منفرد ربما يكون صدفة، ولكنني أرى أن هذا الحدث له دلالات كثيرة على حياة وتاريخ العرب والأجانب في الدنمارك.

للأسف لم يستطع طيف كبير من عرب الدنمارك على الخروج من عقدة ” الدونية التي يعاني منها الكثيرون من أبناء الجيل الأول والثاني، فهم لا يشعرون بأن لهم حقوق كباقي المواطنين الدنماركيين الأصليين، ويفسرون ذلك بأنهم فقط مهاجرون أو طالبوا لجوء في هذا البلد، ولذلك فعليهم أن يعيشوا في معزلة عن سياسة البلد. فهي ليست بلد أجدادهم!

فالمتتبع لتاريخ العرب في الدنمارك يلاحظ أن عقلية ” الدونية وعدم الاستقرار” كانت هي الطاغية، فلم يتمكن العرب في الدنمارك وحتى يومنا هذا من إنشاء جمعية عربية فاعلة تهتم بهم وبالثقافة العربية، وكذلك لم يحاول العرب في الدنمارك كتابة تاريخهم في هذا البلد أو أرشفة نشاطاتهم.  فبالرغم من النجاحات الكبيرة على المستوى الشخصي لعدد غير قليل من أبناء عرب الدنمارك سواء كان ذلك في المجال الأكاديمي أو الاقتصادي أو السياسي أو الفني، مازال الأداء الجماعي يشوبه الكثير من الخلل.

فالجمعيات العربية تكاد لا تحصى ولا تعد في الدنمارك، فالمغاربة لهم جمعيات متعددة وكذلك الفلسطينيون والعراقيون واللبنانيون والمصريون، ولا ننسى أن نذكر السوريين والتونسيين والصوماليين. 

 

لماذا يوجد عرب في الدنمارك؟
تفرقت الجهود لأسباب عديدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو ديني وطائفي ومذهبي، ولكن النتيجة كانت واحدة، وهي تمثل واقع الجالية العربية في هذه الأيام وبعد ما يقارب من 70 عام على دخول أول عربي إلى الدنمارك في خمسينيات القرن الماضي. 
وهنا اسمحوا لي أن أضع بين أيديكم افتتاحية العدد السادس لمجلة الغد، أول مجلة عربية شهرية صدرت عن الرابطة العربية في الدنمارك، العدد صدر في شهر أغسطس/آب عام 1968، أي قبل ما يقارب 53 عاماً. كتبها السيد ظاهر الحياري تحت عنوان ” سؤال واحد، لماذا نحن هنا؟”

سؤال….. واحد…..!  لماذا نحن هنا؟ …….

سؤال يواجهه كل واحد منا… لا بل كل من يعيش في أرض غير أرضه ….. وهو سؤال بديهي لا عيب فيه ولا غبار عليه….وسواء كان سائله بلجيكي أو ايطالي أو دانماركي فسيظل السؤال مفروضا عليك يتطلب الاجابة عليه حتى وان لم تجد من يسألك اياه….

ماذا تعمل هنا؟ …. هل تدرس….؟ هل أنت سائح..؟ هل تشتغل..؟ أو ماذا..؟

غلاف عدد من مجلة الغد العربية التي كانت تصدر في الدنمارك في نهاية ستينيات القرن العشرين

لا بد أن يكون الإنسان منا صريحا وموضوعيا في جوابه مع نفسه  أولا، وبالتأكيد ثم مع السائل ثانيا. ونحن كعرب هنا في اسكندنافيا أو هناك في أستراليا أو البرازيل أو مالطا أو غيرها من بلدان العالم، فنحن بحمد الله من أكثر شعوب العالم هجرة واغترابا لظروف عديدة ومتنوعة. 

نعود للسؤال…. وهو ماذا نريد من هذا البلد …. هل نحن طلاب علم أو مال أو خبرة؟ هل نحن نركض وراء شهوة من جنس وكأس؟ هل نحن نحن هاربون من مجاعة وقحط مادي أو معنوي؟….. أم نحن قطيع ضال لا يجد من يرعاه…؟ أو ماذا؟ ……

قد يكون بعض هذا صحيحا أو كله  وهو في الغالب صحيح. لكن ماذا بعد؟ .. ربما تكون البلد طيبة ومضيافة لنا… ربما تكون مجالات العمل والحياة متوفرة كلها لنا … ربما نكون قد رضينا بما نحن فيه وبالواقع الذي نعيشه… لكننا سنكون تماما كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمل خوفا من مواجهة… العدو … الحقيقة، لأنه كما قيل قديما أن الحقيقة توجع أحيانا.

ان كثيرا من المغتربين العرب عمالا كانوا أو تجارا أو طلاب علم، قدموا كثيرا من الخدمات والتضحيات لبلادهم وعادوا بخبرات مثمرة جيدة كان لها أثر كبير في تغير وجه الحياة.

هذا بعد أن مثلوا بلادهم أحسن تمثيل بعيدا عن جو البروتوكولات السياسية وتركوا سمعة في كثير من البلدان التي أقاموا فيها.

فأين انت وأنا…. وأين مكاننا في هذه القافلة؟…………………..

بقلم ظاهر الحياري

السيد ظاهر الحياري انتقل إلى رحمته تعالى قبل بضع سنوات وترك لنا هذه الأسئلة التي ما زالت تحتاج إلى أجوبة ليس فقط على المستوى الشخصي ولكن أيضا على مستوى المؤسسات والجمعيات التي تهدف لدعم وتقوية الهوية العربية الدنماركية في الدنمارك.

لا أعتقد أن السيد ظاهر الحياري كان يفكر وهو يكتب افتتاحية العدد السادس من مجلة الغد في صيف عام 1968 بأنها ستجد طريقها إلى صفحات موقع نبض الدنمارك ويقرؤها آلاف العرب الذين وجدوا طريقهم إلى الدنمارك لأسباب متعددة بعد خمسين عاماً من نشرها على صفحات المجلة، وأصبح عددهم اليوم حوالي 150 ألف نسمة ويشكلون تقريبا 2,2% من السكان في البلاد.   لكن الحياة مليئة بالمفاجآت والتاريخ المكتوب هو الذي سيبقى لكي تقرأه الأجيال القادمة، ومن هنا جاءت فكرة كتابة ملخصٍ عن تاريخ العرب في الدنمارك.

أعداد العرب في الدنمارك
Infogram

البداية كانت بطلاب وعشاق

عند العودة إلى الأرشيف الدنماركي نلاحظ عدم وجود مراجع كثيرة حول العرب في الدنمارك في بداية القرن العشرين، فالاهتمام بالعرب في الدنمارك بدأ بشكل أساسي في بداية سبعينيات القرن الماضي، عندما اكتظت بعض مصانع البلاد بعمال غير مهرة من المغرب وأيضا من بعض الدول الإسلامية كتركيا وباكستان. ولكنني تمكنت خلال بحثي من الوصول إلى مصادر تبين أن أول العرب الذي اختاروا الإقامة في الدنمارك هو رجل مصري زار الدنمارك في عام 1895 واستقر فيها، وبعد ذلك نلاحظ أيضا وجود فنانة دنماركية من أصول لبنانية شاركت في عدة أفلام دنماركية ووافتها المنية عام 2003. كما تشير المصادر إلى أن الوجود العربي في الدنمارك على شكل مجموعات قد بدأ يتشكل مع مطلع ستينيات القرن الماضي حيث كان يقطن في الدنمارك في تلك الفترة مجموعة من الرجال العرب الذين أوصلتهم قلوبهم أو عقولهم إلى هنا، حيث كان أغلبهم من الشباب الذين جاؤوا بهدف الدراسة أو بعد أن خطفت قلبهم فتاة دنماركية. وبالرغم من قلة أعدادهم في ستينيات القرن الماضي إلا أنهم استطاعوا تكوين جميعة عربية في العاصمة كوبنهاجن وأصدروا صحيفة شهرية باللغة العربية والإنجليزية واختاروا لها اسم “الغد”. هذه المجموعة من عرب الدنمارك استفادت بشكل كبير من وجود بعض السفارات العربية الفاعلة في الدنمارك في تلك الفترة، حيث تبين المصادر التاريخية أن أغلب نشاطاتهم كانت ذات صبغة اجتماعية وثقافية وبعضها كان بدعم من هذه السفارات. وكان أغلب العرب في الدنمارك ينحدرون من أصول سورية وفلسطينية وأردنية وأيضا من اليمن والعراق.

العمال غير المهرة وحملة الشهادات العلمية

مع نهاية ستينيات القرن الماضي وبداية السبعينيات بدأت الدنمارك في فتح الباب أمام بعض الأيدي العاملة من دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط، وشهدت هذه الفترة وصول مئات العمال من المغرب وتركيا وبعض الشباب المصريين من حملة الشهادات الأكاديمية الذين وجدوا لهم موطئ قدمٍ في البلاد. وشهدت فترة السبعينيات تزايداً في النشاطات والفعاليات العربية في البلاد، حيث قام القادمون الجدد من المغرب بتأسيس بعض الجمعيات الدينية والمراكز الاجتماعية بعد أن نجحوا في لم شمل عائلاتهم، وكان تمركزهم في العاصمة وضواحيها. وفي آواخر السبعينيات تم البدء في تأسيس مدارس عربية خاصة في الدنمارك، فكانت المدرسة الأولى هي المدرسة العربية الإسلامية في حي النوربرو، وتم كذلك في تلك الفترة تأسيس المركز الثقافي الإسلامي بدعم من ليبيا وفتحت رابطة العالم الإسلامي فرعاً لها في كوبنهاجن.

وفي نفس الفترة طفا على السطح نشاط ملحوظ لجمعيات دنماركية عربية تدعم نضال الشعب الفلسطيني خصوصاً في صفوف اليساريين الدنماركيين، هذه النشاطات حملت جانباً ثقافياً وإعلامياً وجماهيرياً، حيث كان  من الشائع أن يخرج آلاف الدنماركيين إلى الشوارع بهدف دعم قضية فلسطين في تلك الفترة.

واستمر هذا الزخم في بداية الثمانينيات ومنتصفها حيث حافظت القوى اليسارية الدنماركية على علاقاتها القوية مع الفلسطينيين والعرب المقيمين في البلاد، وعملت على استقبال العدد المتزايد من اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين الذين انتهى بهم الأمر على أرض الدنمارك بعد مأساة الحرب الأهلية في لبنان، وهنا بدأت مرحلة جديدة من حياة العرب في الدنمارك.

وبينما كان العرب القادمون من شمال إفريقيا يتمتعون بحياة شبه مستقرة في البلاد ولديهم وظائف شبه ثابتة في مصانع مختلفة، شكل قدوم اللاجئين من لبنان تحدياً للسطات الدنماركية، فحقائبهم التي كانت فارغة من أي مقتنيات شخصية كانت مليئة بالصدمات والمآسي النفسية التي لم يكن النظام الدنماركي يملك الأدوات لمعالجتها ومنح أصحابها فرصة البدء بحياة جديدة بعيداً عن الحرب والدمار، فبالرغم من أن السلطات منحتهم إقامات في الدنمارك إلا أنها لم تضع سياسة واضحة لدمجهم في المجتمع فزرعت بذلك بذور معضلة سياسية واجتماعية واقتصادية مازالت حتى اليوم جميع فئات المجتمع تقطف ثمارها.
واستمر توافد اللاجئين العرب إلى الدنمارك من لبنان والأردن فى نهاية الثمانينيات، ومع حرب الخليج الأولى انضم إليهم فلسطينيو الخليج وأبناء بلاد الرافدين الذين ضاقت عليهم بلادهم، ومع تفجر الحرب الأهلية في الصومال بداية تسعينيات القرن الماضي ازدادت أعداد العرب بشكل ملحوظ.

الزيادة الكبيرة في أعداد العرب في البلاد دفعتهم بالتأكيد لمحاولة بناء جمعيات ومؤسسات تساعدهم على العيش في البلاد مع المحافظة على جزءٍ من ثقافتهم، وشهدت هذه المرحلة تغيراً ملحوظاً في اهتمامات العرب في الدنمارك، حيث بدأ التدين يلعب دوراً أكبر في صفوفهم، وبدأوا مع بداية التسعينيات في تأسيس جمعيات دينية ومساجد بدلاً عن جمعيات ذات بعدٍ يساري أو وطني كما كان الحال في السبعينيات والثمانينيات. ويعود ذلك إلى تركيبة العرب في تلك الفترة ووجود شخصيات مؤثرة كانت تحمل أفكاراً لمشاريع إسلامية وأيضا انتشار الفضائيات العربية التي بات متابعتها في الدنمارك ممكناً.

منتصف التسعينيات .. انفجار قضايا الاندماج
يعتبر عددٌ من الباحثين الدنماركيين أن عام 1995 من أهم المحطات في تاريخ الأجانب في الدنمارك وبطبيعة الحال العرب، ففي هذا العام بدأ أبناء وبنات الجيل الثاني من المهاجرين واللاجئين العرب الانخراط في المجتمع، عن طريق المدارس الثانوية والجامعات وأيضا في سوق العمل التقليدي وليس فقط خلف الماكينات في المصانع. وفي هذا العام أيضاً تم تأسيس حزب الشعب الدنماركي وبدأت بعض وسائل الإعلام بتناول قضايا اللاجئين بشكلٍ كبير.
انخراط أبناء الجيل الثاني في المجتمع لم يتقصر على الجانب الإيجابي بل امتد إلى عالم الجريمة في البلاد وأصبحوا جزءا منه. وفي نفس الوقت استمر توافد اللاجئين والمهاجرين مستفيدين من القوانين التي كانت تعتبر منصفة للأجانب، فالحصول على لم شمل كان مجرد قرار إداري لا يتطلب استيفاء الكثير من الشروط وكذلك الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية الدنماركية. ولكن هذه الأوضاع لم تستمر طويلا، فمع بداية الألفية الثانية وتحديداً بعد انتخابات نوفمبر 2001 واستيلاء أحزاب اليمين على الحكم تغير كل شيء، ولكن استمرت أعداد العرب في البلاد في الارتفاع، فاحتلال العراق عام 2003 والأحداث في لبنان وفلسطين ساهمت في توافد عرب جدد إلى البلاد. وبالرغم من القوانين المتشددة إلى أن العرب انخرطوا بشكل جيد في سوق الأعمال الدنماركي وبدأت مشاريعهم تأخذ طابعاً اقتصادياً أكثر من مجرد محل لبيع الخضار أو اللحوم الحلال أو توابل الطعام، فقاموا بتأسيس شركات ومطاعم ودخلوا في مجال الترفيه والاتصالات والخدمات … إلخ.

الربيع العربي ساهم في زيادة العرب في الدنمارك

مع بداية أحداث الربيع العربي بدأ توافد مئات من العرب إلى الدنمارك خصوصاً من سوريا والعراق وبعض الفلسطينيين المقيمين في ليبيا واليمن ودول الخليج. وفي عام 2015 كما هو الحال في أغلب دول غرب أوروبا شهدت البلاد ارتفاعاً كبيراً في عدد طالبي اللجوء من السوريين والفلسطينين الذي فروا من لهيب الحرب في سوريا. حيث استقبلت البلاد أكثر من 25 ألف شخص قاموا بعد ذلك بجلب عدد من أقربائهم عبر لم الشمل مما جعل السوريين في الدنمارك من أكبر الجاليات العربية في البلاد.

الجمعيات العربية

ربما تكون مهمة إحصاء نجوم السماء أسهل من وضع رقم معين لعدد المؤسسات والجميعات العربية في الدنمارك، فالقوانين  في الدنمارك تفتح مجالاً كبيراً لأي شخص بتأسيس جمعية أو نادي عبر إجراءات سهلة وسريعة وفي أغلب الأحيان تقدم له دعماً مادياً ولوجستياً، وهذا ما دفع عدداً كبيراً من عرب الدنمارك لتأسيس نوادي وجمعيات ثقافية واجتماعية ورياضية ودينية وخيرية، ولكن لم تستطع أي من هذه الجميعات من أن تكون إطاراً جامعاً للعرب في البلاد، كما أنه بالرغم من وجود عدد كبير من جميعات الصداقة والاتحادات العربية الدنماركية إلا أن أغلبها لا يتعدى مجالُ عملها الحيَّ أو المدينة. بعض الجمعيات الدينية لها نفوذ يمتد لأكثر من مدينة في البلاد ولكنه في أغلب الأحيان يقتصر على جنسية معينة أو مذهب معين أو يتبع لمرجعية في البلدان العربية وهذا الحال أيضا مع الجمعيات ذات الطابع السياسي. حالة التشرذم هذه، أثرت بالتأكيد سلبياً على قدرة العرب في التأثير على الخطاب السياسي والإعلامي هنا، فمن لا يستطيع أن يتشارك مع أخيه في جمعية كيف له أن يقنع الآخرين بأنه قادر على المشاركة الإيجابية في المجتمع.

المدارس العربية

يوجد في الدنمارك عددٌ غير قليل من المدارس العربية الخاصة، حيث أن الدولة تقدم دعماً سخياً لهذه المدارس يصل في بعض الأحيان إلى 85% من الميزانية التشغيلية. وقد تم تأسيس أول مدرسة في منتصف سبعينيات القرن الماضي، إلا أن هذه المدارس تعاني أيضاً من انحسارها في طيف معين أو جنسية أو ديانة محددة، وكذلك تفتقر هذه المدارس لفلسفة تربوية معلنة تتناول العلاقة بين الحياة في الدنمارك والجذور العربية. وتعرضت بعض هذه المدارس للإغلاق في عام 2018 بسبب اكتشاف السلطات مشاكل مالية وإدارية في المؤسسات التي تديرها.

العرب في المجال الثقافي والإعلامي الدنماركي

على مدار الأعوام الماضية تزايد بشكل ملحوظ عدد الدنماركيين من أصول عربية الذين يشاركون في النقاش العام إما عبر الكتابات الأدبية أو السياسية، جزءٌ منهم لهم خلفية ثقافية في العالم العربي وجزءٌ آخر من أبناء الجيل الثاني، ولعل أهمهم هم الشاب طارق زياد حسين والشاعر العراقي منعم الفقير والكاتبة العراقية دنى غالي والصحفي عبد العزيز محمود ووالفنان بلال إرشيد والشاعر الراحل يحي حسن.

العرب في المجال الرياضي
حقق عدد من الشباب والشابات من أصول عربية العديد من النجاحات في عدة ميادين رياضية في البلاد، وبالرغم من عجزهم لحتى اليوم على تمثيل الدنمارك في الفريق الوطني لكرة القدم، ففي الألعاب الفردية وبالتحديد ألعاب القوى كان هناك تميز ملحوظ لشباب وشابات من أصول عربية، حيث هناك بطل الملاكمة حسام زمزم وعدد من أبطال رياضة التاكوندو وبطولات كمال الأجسام .

العرب في السياسية الدنماركية

منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي كانت هناك محاولات من بعض عرب الدنمارك لدخول المجالس البلدية والبرلمان الدنماركي وقد نجح بالفعل العشرات من عرب الدنمارك في حجز مقاعد مجالس البلديات الدنماركية، ولعل أشهرهم هو السياسي ربيع أزد أحمد والذي يشغل منصب نائب رئيس بلدية أوهورس، وهناك ايضاً عدد من الشباب يشغلون مقاعد في مجالس الأقاليم، وفي البرلمان استطاع السياسي الدنماركي من أصول فلسلطينية ناصر خضر الجلوس تحت قبة البرلمان كعضوٍ وحيد من أصول عربية.

العرب في سوق العمل الدنماركي
في السنوات الأخيرة بدأ حضور الدنماركيين من أصول عربية يتجلى في المؤسسات الحكومية والبلديات وايضاً في المستشفيات كأطباء وممرضين وكذلك في الشركات كمهندسين وعمال مهرة، إلى جانب ذلك حافظوا على وجودهم في قطاع الخدمات والعمل الحر وأيضا مجال المطاعم. هذا ومن المهم الإشارة إلى وجود عدد من رجال الأعمال العرب الذين حققوا نجاحات كبيرة خلال السنوات الماضية، فنلاحظ وجود شركات كبيرة يترأسها أشخاص من أصول عربي، كالمصري عنان الجلالي الذي يملك سلسلة فنادق في الدنمارك وخارجها وكذلك بعض التجار الكبار في مجال العقارات والاتصالات والملابس والبضائع.

دعوة للمساهمة وإثراء هذه المادة
خلال الأشهر القادمة سنتناول في تقارير مفصلة أحوال الجنسيات العربية المختلفة في الدنمارك من خلال إجراء مقابلات مع أبرز الشخصيات العربية في الدنمارك. فستكون هناك مقالات محددة حول المصريين في الدنمارك والمغاربة في الدنمارك والفلسطينيين في الدنمارك والعراقيين والسوريين في الدنمارك و سنحاول على قدر استطاعتنا تغطية جميع الجنسيات.  ونأمل من القراء الكرام تزويدنا بأي معلومة عن تاريخ الجالية سواء كانت هذه المعلومة عبارة عن عدد من مجلة الغد أو أي إصدار سابق لأبناء الجالية العربية سواء كان هذا صورة من فعالية أو أمسية فنية أو شعار رفعه العرب تضامنا مع قضية عربية، حيث أننا نفكر بإنشاء أرشيف يحتوي على تاريخ العرب في الدنمارك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock