كورونا.. وقفة مع ثقافة الحرية الفردية


منذ شاعت فلسفة تعظيم الفرد كأحد مفرزات الفلسفة الحديثة المشكّلة لمنظومة القيم الاجتماعية للمجتمعات الحديثة، دخل العالم في جدلية جديدة حول مفاهيم تتعلق بعلاقة الفرد بالمجتمع، وحتى الفلسفات الأكثر تطرفا لم تضع الفرد في مستوى الحرية المطلقة، إلا أن ردود الأفعال على حقبات التسلط الراديكالي بأنماطه المختلفة جاءت عنيفة ومتطرفة أيضا شملت التغاضي عن التطاول على الكثير من المسلمات الاجتماعية أو الجمعية من دينية وتقاليدية .

” كورونا الوافد البغيض دعوة للتخلي عن كثير من متعلقات الثقافة السائدة حول الحرية الفردية إلى ثقافة حرية الفرد في خدمة المجتمع وسلامته، والتي يعد الالتزام التام بمعايير الوقاية الأفضل أهم ترجمة لها في مواجهة هذا الوباء.

أسماء عباس

كورونا الوباء الذي لا يبدو أنه يأبه كثيرا ولا قليلا بنظريات تمجيد الفرد يعيد منطق المساواة الذي تحول في العمق البراغماتي والرأسمالي إلى كلمة ضعيفة الحضور عمليا، ولكن هذا الوباء وهو يساوي عمليا بين كل الطبقات التي أفرزتها الفلسفات وتطبيقاتها السياسية والاقتصادية، ويجتاح بلا حساب لموازين القوى وربما يستعرض قوته بشكل أكثر ترويعا في المجتمعات الأكثر تقديسا للحرية الفردية والقدرات الطبية.

لا مكان لثقافة الفردية الأنانية
كورونا بهذا الطابع غير الفردي، يشكل نقطة مراجعة للبشرية في كل تجمعاتها الحيوية وأهمها النظر إلى  الموضوعية والواقعية في تحديد مفهوم الحرية الفردية، سواء في إحساس الفرد بأنه أكبر مؤثر ومتأثر في مستوى تمدد أو تقلص تفشي الوباء وفقا لسلوكه هو إزاء المجموع في عملية تبادلية من الوعي الفردي الذي يصب بالضرورة في الوعي المجتمعي والبشري تجاه مايجب على الفرد لينجو المجتمع وليس فقط ما يجب على المجتمع أن يقدمه للفرد، وبذلك يٌزال الركام عن الحقيقة الانسانية الأكثر رسوخا وهي أن الفرد عضو في جماعة ولايمكنه أن يصغي كثيرا لثقافة الفردية الأنانية في خضم وباء لا يعترف له بهذا المستوى من ترف الاستقلال، وأن المجتمع هو مفهوم يساوي نفس عدد أفراده تماما، مما يعني أن معيار سلامة الفرد اليوم هي ذاتها معايير سلامة مجتمعه .  

كورونا الوافد البغيض دعوة للتخلي عن كثير من متعلقات الثقافة السائدة حول الحرية الفردية إلى ثقافة حرية الفرد في خدمة المجتمع وسلامته، والتي يعد الالتزام التام بمعايير الوقاية الأفضل أهم ترجمة لها في مواجهة هذا الوباء. والسلامة للجميع.

أسماء عباس

إعلامية عربية دنماركية حاصلة على ماجستير في الإعلام، مقدمة برامج، مهندسة معمارية، وسفير دولي للسلام باعتماد من منظمة مسجلة في الأمم المتحدة
زر الذهاب إلى الأعلى
Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock