النظام السياسي في غرينلاند: بين الحكم الذاتي والطموحات الاستقلالية

تُعد غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، واحدة من المناطق النادرة التي تجمع بين الحكم الذاتي الواسع والانتماء إلى دولة أخرى، وهي مملكة الدنمارك. النظام السياسي في غرينلاند يعكس توازناً دقيقاً بين إدارة شؤونها الداخلية بيد أبنائها، والارتباط بسياسات كوبنهاغن في القضايا السيادية الكبرى.

هيكل النظام السياسي

غرينلاند تتمتع بحكم ذاتي موسع منذ عام 1979، تطور بشكل أكبر مع قانون الحكم الذاتي لعام 2009. وفقاً لهذا القانون، أصبح للجزيرة:

  • برلمان محلي (Inatsisartut) يتكون من 31 عضواً منتخباً كل أربع سنوات.
  • حكومة تنفيذية (Naalakkersuisut) يرأسها رئيس وزراء منتخب من داخل البرلمان.
  • رئيس دولة هو ملك الدنمارك، حالياً الملك فريدريك العاشر، ويمثله في غرينلاند مفوض سامٍ (Rigsombudsmand).

يملك البرلمان سلطة كاملة على معظم الشؤون الداخلية مثل التعليم، الصحة، البيئة، الموارد الطبيعية، الثقافة والشؤون الاجتماعية. أما الدفاع، السياسة الخارجية، القضاء الأعلى، والجنسية، فهي لا تزال تحت سيادة الحكومة الدنماركية، مع بعض مجالات التعاون والتنسيق.

الأحزاب السياسية في غرينلاند

تتميز الحياة الحزبية في غرينلاند بتنوعها، حيث تتوزع القوى السياسية بين تيارات تؤيد تعزيز الحكم الذاتي الكامل وصولاً إلى الاستقلال، وأخرى ترى مصلحة الجزيرة في استمرار الشراكة مع الدنمارك.

من أبرز الأحزاب:

  • سيوموت (Siumut): حزب اجتماعي ديمقراطي يدعم الحكم الذاتي مع الحفاظ على الروابط مع الدنمارك.
  • إنويت أتاكاتيغييت (Inuit Ataqatigiit): حزب يساري يدعو إلى الاستقلال الكامل.
  • الحزب الديمقراطي (Demokraatit): حزب وسطي يدعم التعاون الوثيق مع الدنمارك.

الأحزاب تتبدل تحالفاتها وفق القضايا الاقتصادية والاجتماعية أكثر من انقسام أيديولوجي صارم، مما يجعل السياسة الغرينلاندية ديناميكية ومتغيرة باستمرار.

العلاقة مع الدنمارك

رغم الحكم الذاتي الواسع، تظل غرينلاند مرتبطة بالدنمارك في مجالات حساسة. كوبنهاغن تقدم دعماً مالياً سنوياً يشكل حوالي 20-25% من الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة. بالمقابل، تحتفظ الدنمارك بحق التفاوض باسم غرينلاند في الشؤون الدولية، رغم التزامها بمشاورة حكومة نوك في كل ما يمس مصالح الجزيرة المباشرة.

ومع اكتشاف موارد طبيعية ضخمة كالنفط والمعادن النادرة، تتصاعد النقاشات داخل غرينلاند حول إمكانية تحقيق استقلال اقتصادي يمهد للاستقلال السياسي الكامل.

التحديات المستقبلية

النظام السياسي في غرينلاند يواجه تحديات معقدة، أبرزها:

  • التغير المناخي: الذي يفتح فرصاً اقتصادية جديدة، لكنه يهدد البيئة والبنية التحتية.
  • الضغوط الجيوسياسية: مع تزايد اهتمام القوى الكبرى بالقطب الشمالي، خاصة الولايات المتحدة والصين.
  • الاعتماد المالي على الدنمارك: الذي يحد من إمكانيات تحقيق الاستقلال التام دون تطوير اقتصاد محلي قوي.

خلاصة

النظام السياسي في غرينلاند هو تجربة فريدة من نوعها: نموذج لحكم ذاتي عميق تحت مظلة سيادة مشتركة. ومع استمرار التغيرات الاقتصادية والسياسية في العالم، تظل غرينلاند بين خيارين: تعزيز شراكتها مع الدنمارك أو شق طريقها نحو الاستقلال الكامل — طريق يحمل الكثير من الفرص، ولكن أيضاً الكثير من التحديات.

اشترك في النشرة البريدية لموقع نبض الدنمارك

المحرر

مدير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى
📚 شكراً لقراءتك! شاهد المزيد من مقالاتنا.

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock