غرينلاند والدنمارك: قصة تاريخية لعلاقة معقدة بين الوحدة والهوية

بداية القصة: من الفايكنغ إلى السيادة الدنماركية

تبدأ حكاية غرينلاند مع الدنمارك قبل أكثر من ألف عام، عندما وصل الفايكنغ الإسكندنافيون بقيادة المستكشف إريك الأحمر إلى الجزيرة في القرن العاشر الميلادي. رغم أن المستعمرات الإسكندنافية الأولى اختفت لاحقاً بسبب عوامل بيئية واقتصادية، ظل الوجود الأوروبي في الذاكرة التاريخية للمنطقة.

في القرن الثامن عشر، عاد الدنماركيون إلى غرينلاند، وهذه المرة بقوة أكبر. في عام 1721، قاد القس النرويجي الدنماركي هانز إيدي بعثة تبشيرية إلى الجزيرة تحت رعاية التاج الدنماركي. ومنذ ذلك الحين، رسخت الدنمارك وجودها، خصوصًا بعد أن أصبحت غرينلاند مستعمرة دنماركية رسمياً في عام 1814 بموجب معاهدة كيل، التي أنهت الاتحاد بين الدنمارك والنرويج.

غرينلاند كجزء من المملكة الدنماركية

في عام 1953، تحولت غرينلاند رسميًا من مستعمرة إلى جزء لا يتجزأ من مملكة الدنمارك بموجب دستور جديد. لكن رغم هذا التغيير القانوني، ظلت العلاقة بين الطرفين معقدة، حيث واصل العديد من سكان غرينلاند الشعور بالتهميش الاقتصادي والثقافي.

خلال الحرب الباردة، ازدادت الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند بشكل كبير، خصوصًا مع إنشاء قاعدة “ثول” الجوية الأميركية في شمال الجزيرة، التي كانت جزءًا من تعاون دفاعي بين كوبنهاغن وواشنطن. هذا الوجود العسكري عزز موقع غرينلاند في الحسابات الدولية، لكنه أضاف أيضاً أبعاداً جديدة إلى النقاش حول السيادة والهوية.

الحكم الذاتي وتطلعات الاستقلال

شهدت سبعينيات القرن الماضي تصاعد مطالب الغرينلانديين بحكم ذاتي أكبر. وبعد استفتاء عام 1979، حصلت غرينلاند على نظام حكم ذاتي واسع، منحها السيطرة على معظم الشؤون الداخلية، بينما احتفظت كوبنهاغن بحق إدارة السياسة الخارجية والدفاع والشؤون الدستورية.

في عام 2009، خطت غرينلاند خطوة إضافية نحو تقرير مصيرها عبر قانون الحكم الذاتي الموسع، الذي اعترف رسميًا بالشعب الغرينلاندي كشعب متميز بحق تقرير المصير. كما نقلت المزيد من السلطات إلى حكومة غرينلاند المحلية، بما في ذلك السيطرة على مواردها الطبيعية الغنية، من معادن ومعادن نادرة، مما أثار آمالًا في تحقيق الاستقلال الاقتصادي مستقبلاً.

التوترات الحديثة ومحاولات الشراء الأميركية

العلاقة بين غرينلاند والدنمارك دخلت مرحلة جديدة من التحدي في عام 2019، عندما أبدى الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب رغبته في شراء الجزيرة. رغم أن العرض قوبل برفض قاطع وسخرية من رئيسة الوزراء الدنماركية مته فريدريكسن، فقد أعاد هذا الحدث تسليط الضوء على أهمية غرينلاند الجيواستراتيجية وعلى حساسيات سكانها تجاه علاقاتهم مع كوبنهاغن والعالم الخارجي.

كما كشف العرض الأميركي عن هشاشة التوازن الدقيق بين الولاء للمملكة الدنماركية والرغبة المتزايدة لدى بعض فئات الغرينلانديين في السير نحو استقلال كامل.

بين الوحدة والطموح: واقع العلاقة اليوم

اليوم، تتمتع غرينلاند بحكم ذاتي موسع، لكنها لا تزال رسميًا جزءًا من مملكة الدنمارك. كوبنهاغن تواصل دعم غرينلاند ماليًا بمساعدات سنوية تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد المحلي، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب تدريجياً أمام انتقال المزيد من السلطات إلى حكومة نوك.

من جهته، المجتمع الغرينلاندي منقسم: هناك من يدعو بقوة إلى الاستقلال الكامل، خصوصًا مع ازدياد الاهتمام الدولي بالموارد الطبيعية، وهناك من يرى أن الشراكة مع الدنمارك تظل خيارًا أكثر أمانًا اقتصاديًا وسياسيًا في ظل تحديات التغير المناخي والضغوط الجيوسياسية المتزايدة في القطب الشمالي.

مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات

بين طموحات الاستقلال وواقع الاعتماد الاقتصادي، تظل العلاقة بين غرينلاند والدنمارك إحدى القصص النادرة التي تجمع بين التاريخ العميق، والسياسة الحديثة، والتحديات المستقبلية الكبرى.
وفيما يتحرك العالم نحو صراعات جديدة حول القطب الشمالي، ستبقى غرينلاند لاعباً حاسماً، سواء تحت راية المملكة الدنماركية أو كدولة مستقلة يوماً ما.


تاريخ العلاقة بين غرينلاند والدنمارك

القرن العاشر الميلادي:
المستكشف الإسكندنافي إريك الأحمر يصل إلى غرينلاند ويؤسس أولى المستوطنات.

القرن الخامس عشر:
انهيار المستعمرات الإسكندنافية في غرينلاند بسبب الظروف المناخية والاقتصادية.

1721:
البعثة الدنماركية-النرويجية بقيادة القس هانز إيدي تعيد الوجود الأوروبي إلى غرينلاند.

1814:
بموجب معاهدة كيل، تصبح غرينلاند رسمياً مستعمرة دنماركية بعد انفصال النرويج عن الدنمارك.

1953:
تعديل الدستور الدنماركي: غرينلاند تتحول من مستعمرة إلى جزء لا يتجزأ من مملكة الدنمارك.

1951–1953:
إنشاء قاعدة “ثول” الجوية الأميركية شمال غرينلاند، مما يعزز الأهمية العسكرية للجزيرة خلال الحرب الباردة.

1979:
استفتاء يمنح غرينلاند حكماً ذاتيًا محدوداً مع تأسيس حكومة وبرلمان محليين.

1985:
غرينلاند تنسحب من السوق الأوروبية المشتركة (الآن الاتحاد الأوروبي) مع بقائها مرتبطة بالدنمارك.

2009:
قانون الحكم الذاتي الموسع يدخل حيز التنفيذ؛ يعترف بالشعب الغرينلاندي ككيان متميز ويتم نقل صلاحيات أوسع إلى حكومة نوك.

2019:
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعرب عن رغبته في شراء غرينلاند، ما يثير موجة رفض واسعة من الدنمارك وغرينلاند.

2020s:
استمرار الجدل الداخلي في غرينلاند بين مؤيدي الاستقلال الكامل ومؤيدي الشراكة مع الدنمارك.

2025: الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يكرر مطالبه بالسيطرة الأمريكية على الجزيرة وتجدد الرفض الدنماركي والغرينلاندي

اشترك في النشرة البريدية لموقع نبض الدنمارك

المحرر

مدير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى
📚 شكراً لقراءتك! شاهد المزيد من مقالاتنا.

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock