لمحة من بغداد ولعنة التهميش

تنويه: تم نشر هذا المقال قبل أكثر من 30 يومًا.
قد تكون بعض المعلومات الواردة فيه قديمة أو غير محدثة.

 

في أوائل هذا الصيف ذهبت إلى بغداد تلبية لدعوة رسمية من وزارة الثقافة العراقية.

كانت المناسبة عقد مؤتمر للترجمة قامت به وزارة الثقافة العراقية بالتعاون مع دار المأمون للنشر والترجمة وكنت ضمن وفد تكوّن من حوالي 15 مترجم من أوروبا والعالم العربي بما فيهم عراقيون عاشوا مدة طويلة في المنفى.

يعتبر الذهاب إلى بغداد بصورة رسمية في الظروف الراهنة مثيرا للجدل ليس فقط بسبب الأخطار المباشرة التي نسمع عنها في نشرات الأخبار اليومية ولكن أيضا بسبب الاحتلال الأمريكي وحكومة البلاد التي لا يخفى للعين البصيرة فسادها، فساد ربما كان شرطا لإرضاء محتلها الأمريكي.

وفعلا تطلبت تلبية الدعوة الكثير من التأملات ولن أسهب في شرحها هنا فهي بالنهاية في غاية البديهية.  كنا ضيوفا وبذلك كنا معزّزين مكرّمين بحيث توفّرت لنا الحراسة الدائمة وكنا محاطين ليلا نهارا بالحراس في ريعان شبابهم والأسلحة التي يحملونها وهم مبتسمون. وأنا مدركة تماما أن صفة التعامل معنا تختلف كثيرا عن الظرف الذي يزور فيه العراقي بلاده كعائد إليها.

تستغرب وجود الأسلحة القريبة منك لأنك لم تعتد الحياة بقرب الأسلحة وأنت الآتي من غرب النعمة والاختيار الحر كما تستغرب الكم الهائل من الخرسانة أي الباطون المسلح الذي يزعج العين من أول لحظة تدخل فيها شوارع بغداد فالأسوار الخراسانية تغطي معظم واجهات الشوارع الرئيسية وتبشع منظر المدينة، وبطريقة ما تحكي جميع هذه الإجراءات إن كانت الأسلحة أو الباطون بلغة النفط الذي كان نعمة العراق ثم أصبح لعنته التي جاءت بـاحتلال لا يطاق ومقاومة اختارت أن تقتل أبناء الشعب العراقي بالدرجة الأولى. بيد أنك إذا تفطنت قليلا وفتحت عينيك على ما ورائها ترى شيئا آخر في غاية الجمال. سترى  هندسة عريقة في الأبنية التاريخية مثل المدرسة المستنصرية وشارع المتنبي وسترى نهرا اسمه دجلة شريان حياة هذه البلاد، تخبئ عظمته تاريخا لشعب عريق كافح غزاة أقدم من عصر النفط بكثير. والأهم سترى شعبا عانى ويعاني مأساة طالت، وسترى في وسطه أناسا يعملون بإصرار وتواضع وقليل من الحيرة على إنشاء حياة طبيعية هم بأمس الحاجة لها بعد أربعين سنة من الطغيان والحروب والمقاطعة. وتتضمن الحياة الطبيعية التواصل مع الشعوب الأخرى وكسر الشعور بالعزلة الذي انتابهم والذي يشبه ما يشعر به عرب 48. فالعزلة لعنة من توابع الأوضاع غير الطبيعية مثل الحروب والاحتلال.  

زاوية صغيرة ورؤية مبسطة   للإطار الذي أقيم فيه المؤتمر. أنا لست عراقية ولم أقم إلا لخمسة أيام في العراق ولكن ما رأيته من كرم وجهد صادق للتواصل القيم والمثمر مع الخارج غيّر فكري عن عراق اليوم جذريا.

 

اشترك في النشرة البريدية لموقع نبض الدنمارك

زر الذهاب إلى الأعلى
📚 شكراً لقراءتك! شاهد المزيد من مقالاتنا.

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock