مقال رأي: من النفاق الغربي الادعاء بأن حرية التعبير متساوية للجميع

يتعرض المسلمون في الدنمارك لمعاملة مهينة منذ سبعينيات القرن العشرين، لذلك من الواضح أن حماية عمليات حرق القرآن ارتكازا على أسس القيم الغربية ينظر إليها على أنها نفاق.

 57 دولة إسلامية تدين حرق المصاحف، وآلاف المواطنين في الدول الإسلامية يتظاهرون ضد السويد والدنمارك.

وهم يعبرون ايضا عن غضبهم من قبول البلدين لهذه المعاملة التجديفية للكتاب المقدس للمسلمين. في الوقت نفسه، يعارضون التبرير الاسكندنافي بأن عمليات الحرق تحدث ضمن إطار حرية التعبير.

في أعقاب ذلك، أعلن وزير الخارجية لارس لوكه راسموسن (حزب المعتدلين) يوم الاثنين 31 يوليو/تموز الماضي أن الدنمارك ستدرس صياغة مشروع قانون يحظر حرق الكتب المقدسة أمام السفارات. وقال إنه يجب أن يكون هناك مجال لانتقاد الدين، “ولكن عندما تقف أمام سفارة أجنبية وتحرق القرآن، أو تحرق لفائف التوراة أمام السفارة الإسرائيلية، فإن ذلك لا يخدم أي غرض سوى الإهانة”.

حرق الكتب هو مؤشر على فقدان القدرة على الدخول في حوار مع أولئك الذين تختلف معهم، والرغبة في تدمير الأفكار الممثلة في الكتب. لكن حرق نسخة من القرآن هو ببساطة حرق صفحات من الورق تحتوي على كلمات مطبوعة. الكلمات والأفكار لا تختفي لأنك تحرق الورق الذي كتبت عليه.

أسامة الهباهبة

لا يعتقد لارس لوكه راسموسن أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يعرض حرية التعبير للخطر، لكنه يعترف بأنها ليست مهمة سهلة. وعلى العكس من ذلك، انضم جزء كبير من أحزاب المعارضة الآن ضد اقتراح لارس لوك راسموسن على أساس تقييد حرية التعبير.

ومع ذلك، يجب على أحزاب المعارضة أن تدرك أن حرية التعبير لم تعد حماية الرجل الصغير من النظام. لقد تطورت هذه الحرية إلى حق الحزب القوي في السخرية من الضعيف. من النفاق الادعاء بأن حرية التعبير متساوية للجميع.

منع حرق التوراة

في يناير 2023، أعلن رجل أنه ينوي حرق التوراة أمام السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم. ومع ذلك، لم يحدث هذا لأن السفارة تمكنت من منعه. وفي وقت لاحق، غرد السفير الإسرائيلي في السويد، زيف نيفو كولمان، أنه بمساعدة السلطات والجالية اليهودية في السويد، نجحوا في   منع الحرق.

في نهاية يوليو من هذا العام، نشر مواطنون مسلمون على وسائل التواصل الاجتماعي أنهم سيطلبون الإذن بتنظيم مظاهرة حيث سيحرقون التوراة أمام السفارتين الإسرائيليتين في ستوكهولم وكوبنهاغن.

حرق القرآن هو الآن الذي في محور الحديث، ولكن منذ وقت ليس ببعيد كان الحديث ايضا عن حرق التوراة. والآن يدرس لارس لوكه راسموسن تغييرا محتملا في القانون الذي يحظر حرق الكتب المقدسة أمام السفارات في الدنمارك. وهذه صدفة بين التهكم من اليهودية والإسلام. تذكرني المصادفة هذه بقضية سياسية أخرى في الدنمارك.

في عام 2020، كان ختان الأطفال الذكور موضوع النقاش. بعد مناقشات سياسية وشعبية مكثفة، قالت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن (الحزب الديمقراطي الاجتماعي) في سبتمبر 2020 إن الحكومة لن توافق على إصدار مثل هذا القانون. وأوضحت أنه لا يمكن النظر إلى الختان على أنه حالة فردية، ولكنه جزء من سياق تاريخي أكبر. السبب الذي قدمته رئيسة الوزراء هو أن “اليهود تعرضوا للاضطهاد في أوروبا لعدة مئات من السنين، وقد قطعنا وعدا برعايتهم – وبالتالي فإن القانون ليس هو الطريق الصحيح”.

لذلك، سيكون من المناسب ان يقوم المسلمون الذين يشعرون بالاستفزاز من قبل حارق القران راسموس بالودان وأمثاله بدعوتهم للدخول في حوار حر. والامل فيما بعد هو أن تنحسر مثل هذه الاستفزازات. إذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن المسلمين الغاضبين سيظهرون أنهم يفهمون قيمة الحوار الديمقراطي.

أسامة الهباهبة

ولم تشر رئيسة الوزراء إلى احترام تقاليد المسلمين الدنماركيين فيما يتعلق بختان الأولاد. فقط اليهود.

رأينا هنا كيف تمكنت الجالية اليهودية من منع حظر الختان. والآن تحقق الحكومة الدنماركية في إمكانية تكريس قانون لمنع حرق الكتب الدينية. ربما لأنه لم يعد يتعامل حصريا مع القرآن، ولكن أيضا مع التوراة.

الإسلام بحاجة إلى نهضة تنويرية

حرق الكتب ليس ظاهرة جديدة. يشهد التاريخ على العديد من عمليات حرق الكتب والمكتبات في العصور القديمة والحديثة.

تم حرق المكتبة الشهيرة في الإسكندرية، مصر ، من قبل المسيحيين في عام  391 ومن قبل المسلمين في عام 642. في العصر الحديث، في عام 1933، أحرق النازيون كتبا لا تتوافق مع الفكر النازي، وفي عام 2017، أحرقت مجموعات داعش جميع الكتب الموجودة في المكتبة في الموصل بالعراق، باستثناء الكتب التي تحدثت بشكل إيجابي عن الخلافة والحكم الإسلامي.

حرق الكتب هو مؤشر على فقدان القدرة على الدخول في حوار مع أولئك الذين تختلف معهم، والرغبة في تدمير الأفكار الممثلة في الكتب. لكن حرق نسخة من القرآن هو ببساطة حرق صفحات من الورق تحتوي على كلمات مطبوعة. الكلمات والأفكار لا تختفي لأنك تحرق الورق الذي كتبت عليه.

لكن الحرق يستفز أولئك الذين يؤمنون – دون تمحيص – بهذه الكتب. لقد نجح حارقوا القرآن في هذا الاستفزاز لدرجة أنهم تسببوا في حرق المسلمين للأعلام الدنماركية والسويدية خلال الهجمات على سفاراتنا في العراق والدول الإسلامية الأخرى.

في القرآن، يقول الله في سورة 15 الحجر، الآية 9:  ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) . إذا لا يحتاج الله إلى مسلمين أو غيرهم من المساعدين ليحافظوا على كتابه. سوف يفعل ذلك بنفسه، وفقا لسورة الحجر.

لذلك، سيكون من المناسب ان يقوم المسلمون الذين يشعرون بالاستفزاز من قبل حارق القران راسموس بالودان وأمثاله بدعوتهم للدخول في حوار حر. والامل فيما بعد هو أن تنحسر مثل هذه الاستفزازات. إذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن المسلمين الغاضبين سيظهرون أنهم يفهمون قيمة الحوار الديمقراطي.

الإسلام بحاجة ماسة إلى التنوير من أجل تحويل نفسه من أيديولوجية سياسية إلى دين مسالم ومحب. فقط دين – وليس أيديولوجية سياسية.

الحوار والتواصل المفتوح بين المجموعات المختلفة ضروريان لبناء الاحترام المتبادل. ولكن الافتقار إلى حوار ديمقراطي وبناء مع المسلمين في الدنمارك، مقترنا بالتمييز والسخرية اللذين يتعرضون لهما، يؤدي حتما إلى بعض المبالغة في رد الفعل على الاستفزازات الرمزية مثل حرق القرآن.

حرية التعبير المنافقة في الغرب

كما هو الحال في حالة الختان، حيث سلطت ميته فريدريكسن الضوء على اضطهاد اليهود منذ قرون كسبب للحظر، يجب أيضا النظر إلى ردود فعل المسلمين الدنماركيين على حرق القرآن فيما يتعلق بالتاريخ.

منذ سبعينيات القرن العشرين، تعرض المسلمون لتصريحات معادية للإسلام  من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة  والمعاملة المهينة في شكل نقاش حول  حظر الحجاب ، وحظر الطعام الحلال في مؤسسات الأطفال ، والسخرية والرسوم الكاريكاتورية لنبيهم ، والتمييز بين اللاجئين الأوكرانيين واللاجئين من الشرق الأوسط.

هذه الظواهر تعني بشكل مفهوم تماما أن المسلمين الدنماركيين يعتبرونه نفاقا عندما يتحدث المرء عن الحق في حرية التعبير في النقاش الدائر حاليا حول حظر حرق القرآن.

ولأن ذلك يحدث على قمة العنصرية الهيكلية الأساسية، فيصبح حرق القرآن القشة التي تقصم ظهر البعير بالنسبة لبعض المسلمين. إنه يثير مشاعرهم، لأنه من النفاق أن تصف حرق القرآن بأنه حرية التعبير بينما في نفس الوقت لا تعتقد أن ارتداء الانثى المسلمة للحجاب هو حرية التعبير.

عندما تشارك في نقاش مع الدنماركيين حول حرية التعبير، سرعان ما تصل إلى مواجهة مع مفهوم “قيم العالم الغربي”. إنه، بالطبع ، مفهوم مرن للغاية ، لكنك ترى في كثير من الأحيان أن هناك إجماعا غربيا مشتركا حول ما يسمح لك بقوله. فإنكار محرقة اليهود الهولوكوست، على سبيل المثال، يجب ألا ينطق به.

في عام 2006، حكم على المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ بالسجن لمدة ثلاث سنوات في النمسا بعد أن اعترف بإنكار الهولوكوست. نرى نفس الاتجاهات عندما تحظر ألمانيا المظاهرات المتعاطفة مع الضحايا الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعندما تريد بريطانيا حظر رفع أعلام حماس.

على عكس ما يجب أن تكون عليه حرية التعبير على الأقل، قدرة الرجل الصغير على التحدث علنا ضد النظام، فقد تدهور المفهوم إلى وسيلة لحماية حق الطرف القوي في السخرية من الطرف الضعيف.

وكما تبدو الأمور اليوم، فإن من هم في السلطة يحتكرون حرية التعبير، ومن النفاق الادعاء بأنها تستند إلى القيم الديمقراطية أو الادعاء بأن حرية التعبير تنطبق على الجميع.


المصدر: هذا المقال تم نشره باللغة الدنماركية في بداية شهر أغسطس/آب في صحيفة الإنفرمشيون الدنماركية وقام الكاتب بترجمته ونشره في موقع القلم العربي الإسكندنافي. موقع نبض الدنمارك يعيد نشر المقالة بتصريح من الكاتب.

هذا مقال رأي ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع نبض الدنمارك

أسامة الهباهبه

كاتب وصحفي إسكندنافي عربي، يقيم في الدنمارك منذ أكثر من أربعين عاما وعمل في العديد من وسائل الإعلام الدنماركية والعربية والدولية. يدير في هذه الفترة موقع القلم العربي الإسكندنافي.
زر الذهاب إلى الأعلى
Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock