“حياة الروس مهمة؟”

قد تكون بعض المعلومات الواردة فيه قديمة أو غير محدثة.
- هذا مقال للكاتب الدنماركي كارستن ينسن، قامت بترجمته الكاتبة العراقية دُنى غالي.
أثار المخرج “لارس فون ترير” انتباها مُحرجا بتصريحه “حياة الروس مهمة ” (“Russian lives matter also!” عبر الإنستغرام)، وذلك حين استفزّه مشهد ميتة فريدريكسن (رئيسة وزراء الدنمارك)، وقد ظهرت بابتسامةِ فرح كبيرة تعلو وجهها، على متن إحدى الطائرات الـتسعة عشر من طراز F-16، التي أهديناها لأوكرانيا.
✏️ مقالات تهمك
يمكننا بالطبع انتقاد “فون ترير” لسوء استخدامه شعار “حياة السود مهمة”. غالبا ما يكون السود في أمريكا ضحايا الشرطة الأمريكية المتهورة، ولا يمكن مقارنتهم بأي شكل من الاشكال مع جيش الإحتلال الروسي الذي يظهر دموية حقيرة لحياة البشر.
مع ذلك يطرح لارس فون ترير نقطة مهمة. قُدّر عدد ضحايا الحرب في أوكرانيا ب 300.000، من بينهم 120.000 قتيلا، والباقون جرحى. لا شك في أن بعضهم سجناء قساة فاسدين، أو مرتزقة في جيش فاغنر الخاص لبيريغوزين، الذين تمَ قتلهم مؤخرا . ولكن العديد منهم أيضا أبرياء، شبّان مرعوبين بلا تجربة عسكرية، ليسوا سوى وقود لآلة الحرب المستهترة لبوتين. ألا يستحقون للحظة التفكير؟ ألا تشمل مأساة الحرب كلا الجانبين من خطّ المواجهة؟
أتذكّرُ ما قاله لي كابتن دنماركي قاتل في أفغانستان. “عندما يكون لدى جنودي رجل من طالبان في نقطة التسديد، على الجميع أن يدرك على الدوام أن عدوهم أيضًا شقيق لشخص ما، ابن، والد، أو زوج. وإلا سيصبحون قساة القلب “
الجنود الروس هم أيضا شقيق، إبن، والد، أو زوج لشخص ما.
نحن على الجانب الصح في أوكرانيا. يجب أن نقدّم للأوكرانيين كل الدعم الذي يحتاجونه. وهذا ما كتبه لارس فون ترير أيضا. ولكن تحذيره صحيح أيضا. لا يجب أن نصبح قساة القلب.
الكاتب الأمريكي-الفيتنامي “فييت ثان نوين”، الذي وصل إلى الولايات المتحدة كلاجئ على متن قارب وعمره خمس سنوات، يكتب في كتابه: “لا شيء يموت أبدا”، أننا في الحرب غالبا ما نرى أنفسنا كممثلين حقيقيين للإنسانية، في حين يتم شيطنة العدو الذي يمثل الوحشية. ولكن علينا باسم الحقيقة، بمراجعتنا لذواتنا، أن نتمكن من رؤية الجوانب اللا إنسانية فينا أيضا، تمامًا كما نراها في العدو. الإنسانية واللا إنسانية موجودة بكلا الجانبين.
الكاتب الفرنسي “أندريه مالرو”، الذي شارك في الحرب الأهلية الإسبانية، كتب في روايته “الأمل”، أن الحرب في النهاية لا تدور حول شيء سوى “غرز قطع معدنية في لحم حي”. هناك حروب عادلة، وكانت معركة الجمهوريين ضد الفاشية في الحرب الأهلية الإسبانية من بينها، ولكن ليس هناك من مبررات أخلاقية لقتل إنسان آخر. قد تكون للحرب غاية نبيلة، لكن ليس هناك من طرق نبيلة لقتل إنسان آخر، كما كَتَبَ مالرو.
قد يكون لا مفر من الحرب، إذا كانت هناك ضرورة لمقاومة الشرّ ، ودفاع الأوكرانيين عن ديمقراطيتهم الفتية لا مفر منه، وهو عادل. ولكن هناك سؤال يجب علينا طرحه باستمرار عندما نكون في حالة حرب: ما الذي يحدث حين تُسخّر الأسلحة في خدمة الحضارة؟ هل تصمد الحضارة أم تحلّ البربرية محلها؟
في الدنمارك، شاركنا خلال العشرين سنة الماضية في خمسة حروب ، لكننا لم نجد الشجاعة يوما لفحص ومراجعة ذواتنا عَلَنا، والصمت هذا جعل ديمقراطيتنا أفقر. أن يكون لحرب أوكرانيا معنى، حين تندحر القوات الروسية الغازية، على الأوكرانيين أيضا أن يطرحوا على أنفسهم السؤال الصعب: ما الذي فعلته الحرب بهم؟ وإلا لن يصيروا الديمقراطية التي قاتلوا بشجاعة من أجلها.
ليس فقط ساحة الحرب هي التي تتطلب الشجاعة. المراجعة الذاتية لأنفسنا تتطلب ذلك أيضا.
*كارستن ينسن – أديب دنماركي، باحث وكاتب مقالة سياسية، أستاذ مساعد في جامعة سوذدانسك .
*لارس فون ترير- أحد كبار المخرجين السينمائيين الدنماركيين. قدّم أفلاما لا تخلو من التحريض والمزاج التهكمي السوداوي.